الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
فهو من الصعر عنى الصيد وهو داء يعتري البعير فيلوي منه عنقه ويستعار للتكبر كالصعر، وقال ابن خويزمنداد: نهى أن يذل نفسه من غير حاجة فيلوي عنقه، ورجح الأول بأنه أوفق بما بعد، ولام {لِلنَّاسِ} تعليلية والمراد ولا تصعر خدك لأجل الإعراض عن الناس أو صلة. وقرأ نافع وأبو عمرو. وحمزة. والكسائي {تصاعر} بألف بعد الصاد. وقرأ الجحدري تصعر مضارع أصعر والكل واحد مثل علاه وعالاه وأعلاه.{مَسْؤُولًا وَلاَ تَمْشِ فِي الأرض} التي هي أحط الأماكن منزلة {مَرَحًا} أي فرحًا وبطرًا، مصدر وقع موقع الحال للمبالغة أو لتأويله بالوصف أو تمرح مرحًا على أنه مفعول مطلق لفعل محذوف والجملة في موضع الحال أو لأجل المرح على أنه مفعول له، وقرئ مرحًا بكسر الراء على أنه وصف في موضع الحال {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} تعليل للنهي أو موجبه والمختال من الخيلاء وهو التبختر في المشي كبرًا، وقال الراغب: التكبر عن تخيل فضيلة تراءت للإنسان من نفسه، ومنه تؤول لفظ الخيل لما قيل أنه لا يركب أحد فرسًا إلا وجد في نفسه نخوة، والفخور من الفخر وهو المباهاة في الأشياء الخارجة عن الإنسان كالمال والجاه ويدخل في ذلك تعداد الشخص ما أعطاه لظهور أنه مباها بالمال، وعن مجاهد تفسير الفخور بمن يعدد ما أعطى ولا يشكر الله عز وجل، وفي الآية عند الزمخشري لف ونشر معكوس حيث قال: المختال مقابل للماشي مرحًا وكذلك الفخور للمصعر خده كبرًا وذلك لرعاية الفواصل على ما قيل، ولا يأبى ذلك كون الوصية لم تكن باللسان العربي كما لا يخفى.وجوز أن يكون هناك لف ونشر مرتب فإن الاختيال يناسب الكبر والعجب وكذا الفخر يناسب المشي مرحًا، والكلام على رفع الإيجاب الكلي والمراد السلب الكلي، وجوز أن يبقى على ظاهره، وصيغة {فَخُورٌ} للفاصلة ولأن ما يكره من الفخر كثرته فإن القليل منه يكثر وقوعه فلطف الله تعالى بالعفو عنه وهذا كما لطف بإباحة اختيال المجاهد بين الصفني وإباحة الفخر بنحو المال لمقصد حسن.
ومتعديًا بمن كما هو ظاهر قول الجوهري غض من صوته. والظاهر إن ما في الآية من الثاني، وتكلف بعضهم جعل من فيها للتبعيض، وادعى آخر كونها زائدة في الإثبات، وكانت العرب تفتخر بجهارة الصوت وتمدح به في الجاهلية ومنه، قول الشاعر: والحكمة في غض الصوت المأمور به أنه أوفر للمتكلم وأبسط لنفس السامع وفهمه {إِنَّ أَنكَرَ الاصوات} أي أقبحها يقال وجه منكر أي قبيح قال في البحر: وهو أفعل بني من فعل المفعول كقولهم: أشغل من ذات النحيين وبناؤه من ذلك شاذ، وقال بعض: أي أصعبها على السمع وأوحشها من نكر بالضم نكارة ومنه {يَوْمَ يَدْعُو الداع إلى شَيْء نُّكُرٍ} [القمر: 6] أي أمر صعب لا يعرف، والمراد بالأصوات أصوات الحيوانات أي إن أنكر أصوات الحيوانات {لَصَوْتُ الحمير} جمع حمار كما صرح به أهل اللغة ولم يخالف فيه غير السهيلي قال: أنه فعيل اسم جمع كالعبيد وقد يطلق على اسم الجمع الجمع عند اللغويين، والجملة تعليل للأمر بالغض على أبلغ وجه وآكده حيث شبه الرافعون أصواتهمب الحمير وهم مثل في الذم البليغ والتشمية ومثلت أصواتهم بالنهاق الذي أوله زفير وآخره شهيق ثم أخلي الكلام من لفظ التشبيه وأخرج مخرج الاستعارة، وفي ذلك من المبالغة في الذم والتهجين والإفراط في التثبيط عن رفع الصوت والترغيب عنه ما فيه، وإفراد الصوت مع جمع ما أضيف هو إليه للإشارة إلى قوة تشابه أصوات الحمير حتى كأنها صوت واحد هو أنكر الأصوات، وقال الزمخشري أن ذلك لما أن المراد ليس بيان حال صوت كل واحد من آحاد هذا الجنس حتى يجمع بل بيان صوت هذا الجنس من بين أصوات سائر الأجناس، قيل: فعلى هذا كان المناسب لصوت الحمار بتوحيد المضاف إليه. وأجيب بأن المقصود من الجمع التتميم والمبالغة في التنفير فإن الصوت إذا توافقت عليه الحمير كان أنكر. وأورد عليه أنه يوهم أن الأنكرية في التوافق دون الانفراد وهو لا يناسب المقام، وأجيب بأنه لا يلتفت إلى مثل هذا التوهم، وقيل: لم يجمع الصوت المضاف لأنه مصدر وهو لا يثنى ولا يجمع ما لم تقصد الأنواع كما في {أَنكَرَ الاصوات} فتأمل، والظاهر أن قوله تعالى: {إِنَّ أَنكَرَ الاصوات لَصَوْتُ الحمير} من كلام لقمان لابنه تنفيرًا له عن رفع الصوت، وقيل: هو من كلام الله تعالى وانتهت وصية لقمان بقوله: {واغضض مِن صَوْتِكَ} رد سبحانه به على المشركين الذين كانوا يتفاخرون بجهارة الصوت ورفعه مع أن ذلك يؤذي السامع ويقرع الصماخ بقوة ورا يخرق الغشاء الذي هو داخل الأذن وبين عز وجل أن مثلهم في رفع أصواتهم مثل الحمير وأن مثل أصواتهم التي يرفعونها مثل نهاقها في الشدة مع القبح الموحش وهذا الذي يليق أن يجعل وجه شبه لا الخلو عن ذكر الله تعالى كما يتوهم بناءً على ما أخرج ابن أبي حاتم عن سفيان الثوري قال: صياح كل شيء تسبيحه إلا لحماء لما أن وجه الشبه ينبغي أن يكون صفة ظاهرة وخلو صوت الحمار عن الذكر ليس كذلك، على أنا لا نسلم صحة هذا الخبر فإن فيه ما فيه، ومثله ما شاع بين الجهلة من أن نهيق الحمار لعن للشيعة الذين لا يزالون ينهقون بسب الصحابة رضي الله تعالى عنهم ومثل هذا من الخرافات التي يمجها السمع ما عدا سمع طويل الأذنين، والظاهر أن المراد بالغض من الصوت الغض منه عند التكلم والمحاورة، وقيل: الغض من الصوت مطلقًا فيشمل الغض منه عند العطاس فلا ينبغي أن يرفع صوته عنده إن أمكنه عدم الرفع، وروي عن أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه ما يقتضيه ثم أن الغض ممدوح أن لم يدع داع شرعي إلى خلافه، وأردف الأمر بالقصد في المشي بالأمر بالغض من الصوت لما أنه كثيرًا ما يتوصل إلى المطلوب بالصوت بعد العجز عن التوصل إليه بالمشي كذا قيل، هذا وأبعد بعضهم في الكلام على هذين الأمرين فقال: إن الأول إشارة إلى التوسط في الأفعال والثاني إشارة إلى الاحتراز من فضول الكلام والتوسط في الأقوال، وجعل قوله تعالى: {إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مّنْ خَرْدَلٍ} [لقمان: 61] إلخ إشارة إلى إصلاح الضمير وهو كما ترى.وقرأ ابن أبي عبلة {لَصَوْتُ الحمير} بالجمع بغير لام التأكيد.
ونقل بعض الإمامية عن الباقر رضي الله تعالى عنه أنه قال: الظاهرة النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به من معرفة الله تعالى وتوحيده والباطنة ولا يتنا أهل البيت وعقد مودتنا، والتعميم الذي أشرنا إليه أولًا أولى، لكن أخرج البيهقي في شعب الإيمان عن عطاء قال: سألت ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن قوله تعالى: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهرة وَبَاطِنَةً} قال: هذه من كنوز علمي سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أما الظاهرة فما سوى من خلقك وأما الباطنة فما ستر من عورتك ولو أبداها لقلاك أهلك فمن سواهم.وفي رواية أخرى رواها ابن مردويه. والديلمي. والبيهقي. وابن النجار عن ابن عباس أنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {وَأَسْبَغَ} إلخ قال: «أما الظاهرة فالإسلام وما سوى من خلقك وما أسبغ عليك من رزقه وأما الباطنة فما ستر من مساوي عملك» فإن صح ما ذكر فلا يعدل عنه إلى التعميم إلا أن يقال: الغرض من تفسير الظاهرة والباطنة بما فسرنا به التمثيل وهو الظاهر لا التخصيص وإلا لتعارض الخبران.ثم إن ظاهر هذين الخبرين يقتضي كون الذنب وهو المعبر عنه في الأول بما ستر من العورة وفي الثاني بما ستر من مساوي العمل نعمة ولم نر في كلامهم التصريح بإطلاقها عليه ويلزمه أن من كثرت ذنوبه كثرت نعم الله تعالى عليه فكان المراد أن النعمة الباطنة هي ستر ما ستر من العورة ومساوي العمل ولم يقل كذلك اعتمادًا على وضوح الأمر، وجاء في بعض الآثار ما يقتضي ذلك، أخرج ابن أبي حاتم. والبيهقي. عن مقاتل أنه قال في الآية: {ظاهرة} الإسلام {وَبَاطِنَةً} ستره تعالى عليكم المعاصي، بل جاء في بعض روايات الخبر الثاني وأما ما بطن فستر مساوي عملك.وجوز أن يكون {مَا} في ما ستر في الخبرين مصدرية ومن صلة ستر لا بيان لما وقرأ. يحيى بن عمارة وأصبغ بالصاد وهي لغة بني كلب يبدلون من السين إذا اجتمعت مع أحد الحروف المستعلية الغين والخاء والقاف صادًا فيقولون في سلخ صلخ وفي سقر صقر وفي سائغ صائغ ولا فرق في ذلك بين أني يفصل بينهما فاصل وأن لا يفصل، وظاهر كلام بعضهم أنه لا فرق أيضًا بين أن تتقدم السين على أحد تلك الأحرف وأن تتأخر، واشترط آخر تقدم السين، وذكر الخفاجي أنه إبدال مطرد.وقرأ بعض السبعة. وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهما {نِعْمَتَ} بالإفراد. وقرئ {نِعْمَتَهُ} بالأفراد والإضافة، ووجه الإفراد بإرادة الجنس كما قيل ذلك في قوله تعالى: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34] وقال الزجاج من قرأ. {نِعْمَتَ} فعلى معنى ما أعطاهم من التوحيد ومن قرأ نعمه بالجمع فعلى جميع ما أنعم به عليهم والأول أولى، ونصب {ظاهرة وَبَاطِنَةً} في قراءة التعريف على الحالية وفي قراءة التنكير على الوصفية {وَمِنَ الناس مَن يجادل} من الجدال وهو المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة، وأصله من جدلت الحبل أي أحكمت فتله كان المتجادلين يفتل كل منهما صاحبه عن رأيه. وقيل: الأصل في الجدال الصراع وإسقاط الإنسان صاحبه على الجدالة وهي الأرض الصلبة وكأن الجملة في موضع الحال من ضميره تعالى فيما قبل أي ألم تروا أن الله سبحانه فعل ما فعل من الأمور الدالة على وحدته سبحانه وقدرته عز وجل والحال من الناس من ينازع ويخاصم كالنضر بن الحرث وأبي ابن خلف كانا يجادلان النبي صلى الله عليه وسلم {فِى الله} أي في توحيده عز وجل وصفاته جل شأنه كالمشركين المنكرين وحدته سبحانه وعموم قدرته جلت قدرته وشمولها للبعث ولم يقل فيه بدل في الله بإرجاع الضمير للاسم الجليل في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ الله سَخَّرَ لَكُمْ} تهويلًا لأمر الجدال {بِغَيْرِ عِلْمٍ} مستفاد من دليل عقلي {وَلاَ هُدًى} راجع إلى رسول مأخوذ منه، وجوز جعل الهدى نفس الرسول مبالغة وفيه بعد {وَلاَ كتاب} أنزله الله تعالى: {مُّنِيرٍ} أي ذي نور، والمراد به واضح الدلالة على المقصود، وقيل: منقذ من ظلمة الجهل والضلال بل يجادلون جرد التقليد كما قال سبحانه:
|